الدخول في علاقة صداقة ليس أمرا سهلا كما قد يظن البعض، وذلك لأن درجات التقبل الاجتماعي تختلف باختلاف مكونات الشخصية والمواقف الاجتماعية، فقد يسعى شخص لإقامة علاقة صداقة مع شخص آخر أو أشخاص آخرين، ولكنه لا يصادف قبولا منه أو منهم وتتكرر محاولاته ولكنه يفشل في كل مرة، الأمر الذي يترك أثرا سيئا في نفسه، لا ينبغي أن يستسلم له دون أن يبادر إلى البحث في أسبابه ليعرف لماذا فشل، وهل الفشل يرجع إلى الآخر أو الآخرين الذين رغب في اتخاذهم أصدقاء.. كأن يكون هو نفسه فيه عيب أو عيوب لا يدركها، ولكن الآخرين يدركونها ويجدون أنها تحول دون قيام صداقة صحيحة معه، أو أن يكون اختياره خاطئا يفتقر إلى الأساس السليم.
وقبل أن نخوض في الحديث عن هذه المفاهيم دعونا نتوقف عند معاني الصداقة.
معنى الصداقة:
لا يختلف المعنى أو المفهوم الاصطلاحي للصداقة عن المعنى أو المفهوم اللغوي؛ وفي ذلك يقول أبو حيان التوحيدي: إن الصديق لفظ مشتق من الصدق، وهو خلاف الكذب، أو من الصدق، حيث يقال : رمح صدق، أي صلب، وعلى الوجهين يكون الصديق صادقا (أي غير كاذب) إذا تحدث، ويكون صدقا (أي صلبا جادا) إذا عمل.
وعلى ذلك فإن الصداقة ـ باختصارـ هي علاقة اجتماعية ضرورية للإنسان قوامها الصدق في كل شيء.
خواص الصداقة:
للصداقة، باعتبارها علاقة اجتماعية عميقة ووثيقة، خصائص عديدة تميزها عن غيرها من العلاقات الأخرى كالقرابة والزمالة والجيرة نتناولها فيما يلي:
أولا- الصداقة تجعل من يرتبطون بها يعتمدون على بعضهم في تبادلية تلقائية وليست محسوبة، وإلا فقدت العلاقة وصف الصداقة وتحولت إلى نوع من المقايضة ذات طبيعة مادية فجة، ويتمثل الاعتماد المتبادل فيما يقوم به كل طرف من أطراف الصداقة من تأثير في مشاعر واهتمامات وسلوك الطرف الآخر.
ثانيا- الصداقة، على خلاف غيرها من العلاقات الاجتماعية، تسمح للأصدقاء بأن يناقشوا كل أمور حياتهم تقريبا، بما تشتمل عليه من أنشطة واهتمامات بصراحة وصدق وشفافية، وتعتبر هذه الخاصية من أهم خواص الصداقة، حيث تقتضي أن تشمل الأحاديث التي تدور بين الصديقين الموضوعات شديدة الخصوصية.
ثالثا- الصداقة تتميز بالعملية التي يطلق عليها النفسيون stimulation وتعنى التنبيه وهي عبارة عن عملية تنشيط وتوسيع للأفكار والمعارف والرؤى الشخصية التي لدى الأصدقاء وذلك من خلال المناقشة والحوار.
رابعا- في الصداقة يكون كل طرف قادرا على استثارة انفعالات قوية لدى الطرف الآخر، وهو أمر يرتبط بخاصية الاعتماد المتبادل بين الأصدقاء، ويعد مصدرا لكثير من المشاعر الإيجابية السارة غالبا وغير السارة أحيانا.
خامسا- من خواص الصداقة أيضا المساندة، ونعني بها وقوف الأصدقاء إلى جانب بعضهم فيما يواجهونه من ظروف تحتاج إلى تضافر الجهود، ويلي المساندة التشجيع، ذلك أن بعض الأصدقاء قد لا يستطيعون أن يساندوا صديقهم لسبب أو لآخر، وبالتالي فإنهم يقدمون له التشجيع شدا لأزره ودعما لموقفه طالما أنه على حق.
سادسا- كذلك، فإن الصداقة تتيح للصديق أن يتحقق من صحة ما لديه من أفكار وآراء شخصية عندما تسنح الفرص التي تمكنه من الإفصاح عنها، فالمعروف - وبالذات بالنسبة للشباب - أن أفكارهم وآراءهم تكون نظرية في الغالب لا يمكن الحكم عليها إلا بعد وضعها على محك التجربة والتطبيق، فإما أن يثبت صوابها، وإما أن يظهر لهم العكس وعندئذ يقومون بتغييرها أو تعديلها من أجل أن تصبح قابلة للتطبيق.
سابعا- ومن خواص الصداقة أيضا طول عمرها كما يقولون واستقرارها النسبي، فهناك صداقات تستمر ما استمر أطرافها على قيد الحياة تتمتع بقدر كبير من الاستقرار.
ثامنا- كذلك، فإن الصداقة تتيح للمرتبطين بها أن يحققوا لأنفسهم نفعا مباشرا منها، وذلك بما يقومون به نحو بعضهم من تسخير للوقت والجهد وكافة إمكاناتهم الشخصية سواء كانت مادية أم غير مادية لخدمة بعضهم وتلبية مطالبهم.
الشروط التي يجب توافرها في الساعي إلى الصداقة
أولا- الذكاء:
اتخاذ الأصدقاء -باعتباره سلوكا- يتكون من عناصر عقلية وأخرى معنوية، أي أخلاقية؛ لذلك وجب أن يتوفر للشخص من الذكاء ما يمكنه من فهم ما لهذا السلوك من ضرورة، كما يجب أن يكون لديه من قوة الشخصية ما يمكنه من حمل نفسه على اتباع القواعد التي تستند إليها عملية الفهم هذه.
ثانيا- أن يكون الشخص اجتماعيا:
وهنا يجب التفرقة بين ما إذا كان اجتماعيا بالطبع، أم بالتنشئة والتربية، ذلك أنه إذا كان اجتماعيا بالطبع، فإن دور التنشئة والتربية يقف عند حدود توجيه ذلك الطبع التوجيه الصحيح بحيث يصبح الشخص منسجما متوائما مع مجتمعه، أما إذا كانت اجتماعية الشخص مكتسبة بالتنشئة والتربية، فإن هذه وتلك تكون مسؤولة عن المستوى الذي بلغه في قدرته على اتخاذ الأصدقاء وهذا يقتضي توفر الشروط الآتية :
أ- أن يكون الشخص في مرحلة عمرية تمكنه من القيام بذلك التفاعل المستند إلى الخبرة، كأن يكون طفلا مميزا على الأقل وليس دون ذلك.
ب- أن يكون الشخص متمتعا بحالة نفسية طيبة واثقا بنفسه ولديه استعداد لتقبل الموقف والرضا عنه.
ج- أن يكون في حالة صحية جيدة، لأن إصابته بالمرض قد تشعره بالتعب أو الإجهاد أو الألم مما ينعكس على سلوكه وردود أفعاله إزاء أشخاص يصلحون لأن يتخذ منهم أصدقاء، فتكون النتيجة أن ينفروا منه.
د- ألا يكون الشخص مصابا بمرض نفسي، مثل الاكتئاب أو الخوف المرضى أو الوساوس أو الأفعال القهرية أو الأفكار الثابتة، مما ينعكس على تصرفاته حيال الآخرين، ويحد بدرجة كبيرة من قدرته على اتخاذ الأصدقاء.
ه- وفضلا عما تقدم، فإن نجاح الشخص، سواء في اتخاذ الأصدقاء أم في الاحتفاظ بهم، يتطلب أن يكون بعيدا عن التكلف أو التظاهر أو المحاكاة لغيره، بل يكون تلقائيا في سلوكه معبرا عن ذاته صادقا مع نفسه ومع الآخرين، الذين لن يكون من الصعب عليهم إدراك ما إذا كان متكلفا أم تلقائيا، وبالتالي يحرصون على صداقته أو يزهدون فيها.
و- كذلك أن يكون سلوكه متسما بالاتساق والانسجام بعضه مع بعض.
هذا قليل من كثير مما تتطلبه الصداقة فإن كنت تجده عندك فإنك تكون قادرا على اتخاذ الأصدقاء والنجاح معهم ، أما إن كنت لا تجده كله أو بعضه فحاول أن تكتسبه بالمران والتجربة وسوف تنجح بإذن الله.
ــــــــــ