الكرسي السعيد
أم ريم: "رغم أن المدارس العادية لم يقبلوها معهم، وكأن العقل في القدم وليس في الرأس (!!)، إلا أن دور تأهيل المعاقين لم تقصِّر معنا، وجهودهم طيبة في توجيه أمهات المعاقات وبيان سبل التعامل مع المعاق". "
في إحدى الحدائق الخاصة، تجلس (ريم) ذات الاثنتي عشرة سنة على كرسيها المتحرك، تراقب الأطفال الصغار من حولها يلهون بالأراجيح والملاعب، تستمتع بالنظر إليهم، وهي تبتسم باطمئنان وثقة تكبران عمرها الغض بكثير..
حين تتحدث والدتها عنها، ستعرف أشياء أخرى ما كنت لتتوقعها بعدما ترى تلك الابتسامة الفريدة على ذلك الكرسي المتحرك الذي يحمل فتاة الاثنتي عشرة ربيعاً!
تقول الأم: "أثناء ولادتي ريم حدث خطأ طبي، خرجت بعده إلى الوجود كسيحة وهي في شهرها الجنيني السابع، أي لما يكتمل نموها بعد..
ولله الفضل والمنّة، فقد حباها الله تفكيرًا ساميًا وذكاء متوقدًا، وقلبًا (حيًا) كما يقولون، فأنا أعتمد عليها في أمور كثيرة أكثر من اعتمادي على أخواتها السويّات، وهي رائعة تستطيع أن تنجز بيديها الكثير، كما أنها متفوقة في دراستها والأولى على مدرستها، ونشيطة ومشاركة في فصلها"..
وتتابع بأسف: "رغم أن المدارس العادية لم تقبلها- وكأن العقل في القدم وليس في الرأس !!- إلا أن دور تأهيل المعاقين لم تقصر معنا، وجهودهم طيبة في توجيه أمهات المعاقات وبيان سبل التعامل مع المعاق. بالنسبة لي فتعليمي متواضع، لكنني استفدت من دروسهم كثيرًا"..
ثم تبتسم الأم قائلة: "ما زالت ابنتي طفلة، لكن اعتزازي بها عظيم عظيم، هل تصدقين أني أذهب إلى حفلات الأنشطة المدرسية في دار التأهيل من أجلها، رغم عدم حرصي على حضور الأنشطة في مدراس أخواتها الأخريات لكثرة أشغالي..".
تتأمل الأم ابنتها بإعجاب، وتتابع: "أملي بالله تعالى قوي، أن يوفق ابنتي لتكون قيادية عاملة لدينها ومجتمعها، فلديها من القدرات العالية ما يؤهلها لذلك بإذن الله..".
وبعيدًا سترمق الصغيرة (ريم) بإعجاب، وهي تمسك بعباءتها، ثم تقف بتحدٍ مستندة إلى العجلة، لتلبسها باعتزاز وستر، ثم تمشي على العكازين إلى السيارة رافضة –بإباء- المساعدة من أي أحد..!
نورة التميمي.. نخلة بسقت فأعطت..
في مزرعة ظليلة ببلدة (حوطة بني تميم) بالقرب من العاصمة الرياض، لفتت الطفلة (نورة) انتباه مديرة المدرسة التي كانت في زيارة للعائلة، فقد كانت "نورة" متوقدة الذكاء نهمة إلى المعرفة، رغم الكرسي المتحرك الذي يأسر حركتها، نتيجة لشلل أطفال أصيبت به وهي دون السنة.
طلبت المديرة من والدي الطفلة الأميين أن يسمحا بدخول نورة إلى المدرسة، وكانت هذه هي الشرارة الأولى التي قدحت في نفس نورة حب الكفاح والتحدي.
أتمت (نورة) تعليمها الابتدائي بتفوق، لتجابه مشكلة التسجيل في المرحلة المتوسطة، فالمدرسة ـ غير المجهزة بما يناسب ذوي الاحتياجات الخاصة بالطبع ـ لا تسمح باستقبال الفتيات المعاقات، مهما أوتين من الذكاء والتفوق!
وبإصرار كبير، دخلت نورة المدرسة الإعدادية، وبعدها الثانوية، لتجد أبواب الجامعة موصدة جميعها في وجهها..
لكنها لم تيأس، بل أصرت على البحث وألحت في إكمال التعليم، ليُسمح لها بالانتظام أخيرًا في كلية الخدمة الاجتماعية، وتتخرج الشابة الكسيحة بتفوق، وليتكرر العناء ثانية في البحث عن وظيفة..
وللأسف.. فلم يُتح لنورة رغم ما لها من قدرات عالية، وعقل إداري وتخطيط وهمة، سوى أن تشغل وظائف متواضعة، فمن كاتبة إلى مأمورة سنترال وهكذا..
لم يرق هذا كله لها بالطبع، إنها ليست فتاة عادية، ففي يديها من القدرات الكثير، وأمام عينيها يتلألأ من الآمال الكثير، وفي قلبها من الحماس ما تفيض به على مجتمعها الكثير الكثير.
وكان التحدي..
لقد قامت بمشروع دراسة لمركز لشؤون المعاقات، يهتم بالفتيات المعاقات وتوعيتهن وتثقيفهن والسعي إلى دمجهن بالمجتمع، وخاصة أنهن لا يحظين بما يحظى به المعاقون من الذكور في جميع المجالات سواء العلمية أو العملية، ويكفي ما ذاقته (نورة) في حياتها المكافحة من صعوبات في التعليم والعمل، لا لسبب سوى أنها معاقة!
تقدمت بدراسة المشروع إلى وزارة العمل، وكانت الموافقة عليه- بفضل الله- بعد قيامه تحت مظلة مؤسسة الأميرة العنود الخيرية، وبجهد مشكور من الأميرة حرم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبد العزيز..، فتحقق الحلم بالكفاح والهمّة، وأنشئ المركز الأهلي غير الربحي في الرياض، وذلك بمرسوم ملكي، تحت اسم: (مركز الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود لشؤون المعاقات)، وشعاره: بأناملنا نقهر الإعاقة.. نصنع.. نتقن..!
وقد أقام المركز معارض وأنشطة كان منها معرض فني للمعاقات في مركز الأمير سلمان الاجتماعي، شد إعجاب الحضور وأمتعهم بالفن المتحدي الجميل.
والمركز يستقبل حالات الإعاقة الحركية الجسدية، والعقلية البسيطة، واضطرابات النطق والكلام، والإعاقة السمعية والبصرية.. ويمكن معرفة أنشطته المتنوعة عبر هذا الرقم الهاتفي: 4887868 – 01
وإلى جانب مديرة المركز، هناك أخصائيتين اجتماعيتين على الكرسي المتحرك أيضًا، ولكنها قوة الإرادة التي ارتقت بهذه الهمم لتقدم هذه الأعمال الجليلة!