تبدأ معاناة الأبوين عندما يكتشفان وجود إعاقة عند الطفل ، عادةً بعد التشخيص من قبل المختص ، و هنا تتكون سلسلة متتابعة من ردود الأفعال تتفاوت في حدتها و تعتمد على بعض العوامل مثل العمر ، المستوى التعليمي و الثقافي ، و الإستعداد النفسي خاصةً إذا كان الأبوان قد لاحظا وجود مشكلةً ما و تنبآ بها . ردود الأفعال هذه غالباً ما تكون بالتتابع التالي :
1. الصدمة : و نعني بها المفاجأة ، و هنا يكون الأبوان غير متوقعين لخبر و قوع الإعاقة أو المرض ، و تعتبر الصدمة من المشاعر الصعبة التي يمر بها أي إنسان .
2. الغضب : و هو ما يتبع الصدمة ، و هو يمكن أن يوجه لأي شخص (الزوج) الزوجة ، الطبيب ، أو الشخص الذي أعطى المعلومات .
3. النكران و الرفض : وهو أسوء مرحلة يمكن أن يمر بها الوالدان بعد التشخيص ، و هي أن ينكرا إصابة طفلهما بإعاقةٍ ما فتجدهما إما يعرضناه على أكثر من أخصائي أو يتعاملان معه و كأنه لا يعاني من أي مشكلة فيهمل و تتفاقم حالته ، وقد يظهر الرفض في عدة أشكال ، فقد يكون موجهاً للطفل نفسه . و أحد أخطر أشكال الرفض و التي تعد غير مألوفه في مجتمعنا المسلم ( ولكنها موجودة ) هو تمني أحد الأبوين الموت لطفله و ذلك عندما يصل الشعور بالإكتئاب أعلى مستوياته .
4. الألم و الحزن : و هذا الإحساس يأتي إما من وقع الخبر أو بسبب الإحساس بالذنب تجاه ما حل بالطفل ، و تلك هي المشاعر المتوقعه و التي تستمر لفترة ما بعد سماع أخبار مؤلمة .
5. الخوف : و هذه من المشاعر التي تعتري معظم الآباء و هو الخوف على مصير الطفل المجهول ، و الخوف من رفض المجتمع له أو الخوف من أن تسوء حالته . و أحد صور الخوف هو مخافة أن لا يحب الزوج أو الزوجة الطفل ، و على أي حال فإن أي نوع من هذه المخاوف قد يؤدي إلى شلل في تفكير الأبوين و يمنعهما من إتخاذ أي قرار حيال حالة الطفل .
6. الشعور بالعجز : و هذه هي المشكلة التي تحد من مساعدة الوالدين لطفلهما و هي الشعور بعدم الكفاءة و عدم القدرة على مواجهة الظروف الصعبة التي يمرون بها ، فعندما يشعر الشخص بالعجز يسهل عليه تقبل نصائح و آراء الناس حتى و إن كانت خاطئة .
7. إضطراب التفكير : و يحدث هنا الشعور نتيجة عدم الفهم الكامل لما يحدث و ما سوف يحدث و هذا من شأنه أن يحد من القدرة على إتخاذ القرارات ، و في العادة تبدو الأمور مشوشة و غير مترابطة و يصعب الوصول بعد ذلك لنتيجة نهائية .
8. و أخيراً التأقلم و إعادة التوازن : و هذا ما سنتحدث عن لاحقاً .....
هذه مقدمة مختصرة كافية بأن تعطي صوراً للوضع الذي يمكن أن يعيشه والدا الطفل ذو الإحتياجات الخاصة ، و هنا يأتي السؤال : أن يا من تأهلت لأن تشخص الإعاقة ، هل أنت مؤهل أيضاً لأن تحتوي الموقف بكل ما يحمله من أحزان و شجون ؟؟!
يولي الأطباء في الغرب إهتماماً كبيراً فيما يتعلق بطريقة إخبار ذوي الطفل المعاق بالتشخيص النهائي للإعاقة حيث أن التنبؤ بمستقبل هذه الإعاقة يتوقف على تقبل والدي المعاق لها ، و مدى تقبلهما يعتمد على إسلوب المشخص في إيصال المعلومة . فمن أنجح الأساليب التي تؤدي إلى إختصار المراحل التي قد يمر بها الوالدان بعد معرفة الخبر - ما ذكر سابقاً - وهي أن يختار المشخص الوقت و المكان المناسبين لإخبار الوالدين ، كما أنه يجب أن يستخدم إسلوباً و لغة تبسيطية تتسم بالتعاطف و الهدوء و أن يأخذ بعين الإعتبار المستوى التعليمي و الثقافي للوالدين و أن يكون مستعداً لطرح الحلول و الإختيارات و السبل التي يمكن أن تساعد الوالدان على مساعدة إبنهما المعاق فور تشخيصه . و الأهم من ذلك كله ، يجب على المشخص أن يكون مستعداً لتقبل ردود أفعال الوالدين ، فليس أصعب من أم تواجه إعاقة فلذة كبدها و ليس أقسى من موقف أب يتطلع لمستقبل متميز لإبنه يراه ينهار أمامه في لحظة .
في أول لقاء لي مع مجموعة كبيرة من أولياء أمور لأطفال معاقين ، وجدت تفاوتاً كبيراً في خبرة كل منها في الإعاقة ، فمنهم من هم حديثي العهد بها و منهم من تعايشوا معها منذ سنين طويلة ، و لكنهم إتفقوا على شيء واحد ، فإنهم و بإختلاف إعاقات أولادهم لم يجدوا من يأخذ بيدهم لحظة معرفتهم بالإعاقة ، و هذا شيء غير طبيعي و ذو دلالة خطيرة ! فمن الواضح بأن أبسط واجبات الطبيب أو الإختصاصي تجاه مرضاه لا تطبق إذاً ، فكيف هو الحال في ما هو أعقد من ذلك ؟ فهل يجب أن نمر بمعاناةٍ ما كي نشعر بمعاناة الآخرين ؟ و هل يجب أن نجرب الألم كي نمد يد العون لتسكين آلام غيرنا ؟ لا ، فالرحمة لا تعرف شروطاً و الواجب لا يخضع لمواقف دون غيرها !
و هنا أوجه ندائي لمن تأهل ليكون في هذا الموقع ، و أقول : عندما يدفع القدر أبوين بأن يطلبا مساعدتك منهما لم يختارا ذلك ، هو القدر نفسه الذي وهبهما طفلاً وضع قدميهما رغماً عنها نحو أول خطوة في طريق الإعاقة الصعب ...... فرفقاً بهما !
منقول