ليلة القدر أمرها عظيم والخير فيها كثير.. فهي ليلة المغفرة والعتق من النيران ومضاعفة الأعمال وزيادة الحسنات.. ليلة تجاب فيها الدعوات وتعلو فيها الدرجات.. السعيد من فاز بها.. والمحروم من حرم فضلها.
ولكن كثيرا من الناس تمر عليه هذه الليلة كأي ليلة.. تمر عليه وهو نائم أو جالس أمام التليفزيون لمشاهدة الأفلام والمسلسلات.. أو في شراء ملابس العيد وإعداد الكعك والطعام.. فتمر هذه الليلة ولم ينهل من خيراتها ولم يتزود من بركاتها.. فالخاسر من انقضت هذه الليلة ولم يعتق من النار.. فإذا لم يغفر له في هذه الليلة فمتي سيغفر له.. وإذا لم يتقرب إلي الله في هذه الله فمتي سيتقرب إليه.. ويبقي السؤال كيف نفوز بهذه الليلة المباركة حتي نكون من السعداء؟.
يقول الشيخ عماد مالك إمام وخطيب بالأوقاف: من رحمة الله بهذه الأمة أن عوضها عن قصر أعمارها.. بالبركة في أعمارهم وتقبل منهم القليل وأثابهم عليه بالكثير.. كما عوضهم بمنح ونفحات ربانية يدركون بها من سبقهم.. ومن هذه النفحات ليلة القدر.. ولكي يدرك المرء هذه الليلة فيجب أن يستشعر قدرها فقد وصفها الله عز وجل بأنها ليلة مباركة وشرفها علي سائر الليالي وأخبر عنها النبي صلي الله عليه وسلم بأن قيامها سبب لمغفرة الذنوب..
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).. ويضع في ذهنه أن هذه الليلة لو قامها وصدق الله عز وجل فيها فإن الله سيكتب له من الأجر آلاف الأضعاف.. فقيام هذه الليلة خير من ألف شهر قال تعالي: (ليلة القدر خير من ألف شهر)
وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أنها ليلة في العشر الأواخر من رمضان: فقال صلي الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان).
فعلي المسلم أن يبذل جهده في العشر الأواخر كلها وليس في يوم واحد وهذا هو هدي النبي صلي الله عليه وسلم فكان صلي الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره.. فكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.. فالله سبحانه وتعالي أخفي ليلة القدر لكي يجتهد المرء المسلم ولا يتكاسل فيقوم كل الأيام لكي يدرك الفضل العظيم في هذه الليلة..
ويضيف: إذا أراد الإنسان أن يدرك فضل هذه الليلة فلابد أن يطهر قلبه من الغل والحقد والحسد.. فإذا كان قلبه مليئا بالشرور للناس فسيصرفه الله عز وجل عن إدراك ليلة القدر.
فإن الله عز وجل أخبر بها النبي صلي الله عليه وسلم ولكنها رفعت حينما تلاحي رجلان أي حينما تخاصم رجلان وعلت أصواتهما علي بعضهما البعض.. فلأجل هذا الصنيع رفعت ليلة القدر فقد روي البخاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (خرج يخبر بليلة القدر فتلاحي رجلان من المسلمين فقال إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحي فلان وفلان فرفعت وعسي أن يكون خيرا لكم التمسوها في السبع والتسع والخمس)..
فليلة القدر رفعت لاختلاف رجلين فلا يقبل الله فيها من يشاحن أخاه أو يكن له الحقد والحسد أو يقطع رحمه.. فلابد أن نطهر القلب لله وإلا فإن الله يغفر لمن شاء من خلقه ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه.
ولابد أن يحسن الإنسان صلته بالخلق حتي يتحقق قول النبي صلي الله عليه وسلم: (حب لأخيك ما تحب لنفسك).. ولابد أن نكون كما وصفنا نبينا صلي الله عليه وسلم: المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا)..
ويجب أن يطلب الإنسان في هذه الليلة العفو من الله عز وجل فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
المصدر: صحيفة الاهرام.