الفتاة المعاقة الادارة
عدد الرسائل : 476 تاريخ التسجيل : 07/08/2007
| موضوع: العلاج بالصوم الأربعاء سبتمبر 12, 2007 9:07 am | |
| نتيجة للآثار الجانبية للإفراط في استخدام الكيمياء في الطب، وتفشي النظرة إلى الإنسان كآلة إن عطبت يلزمها ترس هنا وصامولة هناك، يبرز نوع من الطب يسعى إلى إيقاظ الطبيب الحكيم داخل كل جسد إنساني. فهل العلاج بالصوم وسيلة إلى ذلك؟
من هنا وهناك، ومن قرن إلى قرن، ظل الصوم كطريقة علاجية تتناقله أجيال الأطباء، منذ ولد الطب مع الحكمة، وحتى يجدر بالطب أن يظل مع الحكمة.
ففي مرجع طب التبت الكبير "تشجودشي"، في القرن السادس قبل الميلاد، خصص فصل كامل تحت عنوان: "العلاج بالطعام، والعلاج بالصوم". وفي مصر القديمة، وبشهادة هيرودوت (450 قبل الميلاد)، تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر. كما أنهم نجحوا في علاج مرض الزهري بالصوم الطويل. ولاحظ هيرودوت أنهم كانوا- أيامها، وربما بسبب ذلك الصوم- أحد أكثر الشعوب صحة.
وفي اليونان القديمة صام الفيلسوف الحكيم أبيقور (القرن السادس قبل الميلاد) أربعين يوما قبل أن يؤدي "الامتحان الكبير" في جامعة الإسكندرية، لشحذ قواه العقلية وطاقة الإبداع عنده.
أما سقراط (470- 399 قبل الميلاد) فإنه كان يصوم عشرة أيام كلما طمح إلى حسم أمرٍ يستحق ذروة التفكير.
وأبو قراط، أبو الطب اليوناني القديم (460- 370 قبل الميلاد)، كان يصف للمرضى في أحرج المراحل أن يصوموا. وكان يقول عن عمل الصوم: "كل إنسان منا في داخله طبيب، وما علينا إلا أن نساعده حتى يؤدي عمله".
ثم جاء الروماني جالينوس، في القرن الثاني الميلادي، وأوصى بالصوم كعلاج لكل أعراض "الروح السالبة". وكان يعني بذلك حالات الحزن وفقد الحب وفرط التوتر.
ومن أوربا العصر الوسيط، انتقل مشعل الطب والحكمة إلى ركن في إمبراطورية الإسلام حيث أعلاه الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا (980- 1037 ميلادية)، ولم يتنازل عن الصوم كدواء، بل كان مفضلا لديه، يقول. "إنه الأرخص" ويصفه للغني وللفقير، ويعالج به الجدري والزهري وأمراض الجلد.
والقائمة تطول وتطول حتى تبلغ أيامنا، في هذا- القرن العشرين، قرن الكيمياء الطبية، والفيزياء الطبية.. قرن الهندسة الوراثية، والبيولوجيا الجزيئية.
ففي أمريكا كان "هنريك تانر" وكتابه: "الصوم أكسير الحياة"، ثم آبتون سنكلير- المدافع الصلب عن العلاج بالصوم. (وكلاهما عمّر حتى التسعين). وفي فرنسا كان سوفنير وإيف ففين. أما في الاتحاد السوفييتي- الذي كان- فكان الشهير يوري نيكالايف. وحتى الآن مازال في ساحة العلاج بالصوم أسماء كثيرة: بوشنجر الألماني، وآلان كوت الأمريكي، وشيلتون الإنجليزى، والسوري محمود البرشة.
صوم لاحمية
والصوم الطبي الذي تناقلت مشعله كل تلك الأيادي، لم يكن إلا الشكل الأقرب إلى الصوم الإسلامي، حيث لا يتم الامتناع عن أطعمة بعينها والإقبال على أخرى، بل هو امتناع تام عن كل طعام وشراب غير الماء.
أما الامتناع عن تناول بعض الأطعمة والتفرغ لغيرها فهو شيء آخر اسمه "الحمية" وهي ليست الصوم الطبي الذي نعنيه.
صوم تام عن الطعام، ولا شيء غير الماء.. هل هذا ممكن؟ نعم ممكن. ويؤكد علماء وظائف الأعضاء أن الإنسان يمكنه البقاء دون طعام مدة أربعة وسبعين يوماً، شرط أن يتناول ما يكفيه من الماء.
ولا يعني ذلك أن كل من يلجأ إلى الصوم الطبي عليه أن يصوم هذه الفترة. ففترات الصوم العلاجي تختلف من مريض إلى مريض ومن مرض إلى مرض.
كل ذلك قد لايبدو مطمئناً، ومن ثم.. لا وسيلة إلا إيضاح كنه هذا الصوم الطبي وسلوك الجسد الإنساني خلاله، لعل ذلك يكون باعثا على شيء من الاطمئنان...
فحال الامتناع عن الطعام تحدث عمليتان أساسيتان: أولاهما انتقال الجسم إلى التغذية الداخلية اعتمادا على ما تدخره الأنسجة للحصول على الطاقة اللازمة لاستمرار الحياة. والثانية- وهي الأهم في الدور العلاجي للصوم- استمرار وزيادة نشاط عملية الإطراح.. أي تخلص الجسم من تراكمات الفضلات والسموم خاصة في الأنسجة المريضة.
الانتقال إلى الاحتياطي
في القرن 19 درس "ف. باشوتين" تأثير الجوع على فيزيولوجيا الحيوان. وتبين له أنه حال انقطاع الإمداد بالطعام من الخارج، ينتقل الجسم إلى تغذية نفسه من الداخل، من المخزون في أنسجة الجسم المختلفة، باستثناء القلب والجهاز العصبي.
تماما كما يحدث للجيوش الحصيفة إذا ما اشتد الضغط عليها: تظل محافظة على قيادتها وعلى وسائل الاتصال لديها.
وقد وصف باشوتين تلك العملية بأنها نضال أعضاء الجسد الجائع، حيث يساهم كل منها بالمخزون لديه. ولقد قدّر العلماء أن الاحتياطي الذي يمكن الاعتماد عليه داخل الجسم يصل إلى 40 - 45 % من مجمل وزنه. ولوحظ أنه حتى درجة فقد 20- 25 % من وزن الجسم، لم يتم تسجيل أية تغيرات مرضية غير مرتجعة. وثبت أن الصوم الطبي مدة 25- 30 يوما قد أنقص من وزن الجسم 12- 18 % دون خطر يُذكر.
فكريات الدم الحمراء تنقص في البداية، ولمدة أسبوعين، ثم تبدأ الكريات الجديدة الشابة في الظهور والتكاثر. ومع انهيار الخلايا الشائخة وتحطمها يحدث ميل خفيف إلى الحموضة، لكن "احمضاض" الدم لا يحدث أبداً.
ولا تتغير العظام، لكن نخاع والعظام ينكمش قليلاً نظراً لوفرة ما يحتويه من مواد غذائية مدّخرة يساهم بها في عملية التغذية الداخلية. ويبقى وزن الكليتين ثابتاً تقريباً، أما الكبد فإن وزنه ينقص، لكن هذا النقص يكون على حساب المدخر من الماء والجليكوجين (السكر المختزن)، دون المساس بتركيب الخلايا أو عددها.
وبينما يمكن أن ينقص وزن العضلات بنحو 40 %، فإن عضلة القلب لا تخسر أكثر من 3 %.
وفي الحالتين يعود النقص إلى انكماش الخلايا وليست إلى نقصان عددها.
ومن الجدير بالذكر أن القلب يرتاح كثير عند الصوم، إذ تنخفض ضرباته إلى 60 في الدقيقة.
وهذا يعني أنه يوفر مجهود 28800 دقة كل 24 ساعة.
والقاعدة أن الجسم يعطي من مخزون المواد العضوية، ثم غير العضوية. أي أنه يعطي أولاً من السكريات ثم الدسم وبعض البروتين، لكنه لا يفرط بسهولة في المعادن وما يشابهها. فالحديد المتخلف عن حطام الكريات الحمراء القديمة يتم تجميعه وتخزينه في الكبد من جديد ليؤخذ منه عند الحاجة. لهذا لا يحدث فقر الدم المتسبب عن نقص الحديد في أثناء الصوم.
وبشكل عام، فإن الانتقال إلى التغذية الداخلية يضمن نوعاً من التوازن الغذائي المحكم في حدود ما هو مطلوب حيوياً وحسب. لهذا لا تحدث أبداً أي من أعراض سوء التغذية التي تُلاحظ في المجاعات، بل حتى في بعض حالات الوفرة عند زيادة السكريات على حساب البروتينات على سبيل المثال.
التخلص من الفضلات والسموم
تلك هي العملية الأهم في الصوم الطبي . فمن ناحية يتلاشى مصدر مهم من مصادر السموم داخل الجسم. وهو ناتج تحلل الأغذية في الجهاز الهضمي، فالقناة الهضمية تتنظف تماماً من جراثيمها خلاله أسبوع واحد من الصوم. ولنتذكر أن الحيوانات التي تدخل في السبات الشتوي تخرج منه فاقدة كل الجراثيم التي كانت موجودة في أمعائها الغليظة.
ومن ناحية أخرى تستمر عملية التنظيف لإخراج الفضلات والسموم المتراكمة في الأنسجة، عبر اللعاب والعصارة المعدية والعصارة الصفراء وعصارة البنكرياس والأمعاء والمخاط والبول والعرق.
ورغم أن هذه العصارات قد تقل، إلا إنها لفرط ما تحمله من فضلات وسموم تغدو كريهة الرائحة وكثيفة. لكن مع تقدم النظافة الداخلية للجسم تقل وطأة الرائحة وتخف كثافة الألوان. وتصير هذه علامة من علامات التخلص من ركام الفضلات والسموم.
وقد يبرز سؤال عن العصارة المعدية وما يمكن أن تسببه من ألم كاو وقروح لجدار المعدة الخالية. وهذا لا يحدث على نحو يخيف، فكمية العصارة تقل كثيراً مع الصوم وتقل درجة حموضتها. وفي حالات زيادة الحموضة- الموجودة قبل الصوم- قد يحدث ألم معدي، لكنه لا يستمر إلا في حدود 3- 4 أيام من بداية الصوم ثم يختفي.
والتجدد هو النتيجة
ومن محصلة هاتين العمليتين: التغذية الداخلية المنضبطة بحكمة "الطبيب الداخلي"، وطرح الفضلات والسموم (إضافة إلى عنصر بديهي وهو الراحة الفيزيولوجية التي تُمنح للجهاز الهضمي وملحقاته أساساً ولسائر الأجهزة والغدد بدرجة ما). من كل هذا تعثر عضوية الجسد على فرصة للتجدد، فتعود الوظائف بعد فترة الراحة أنشط، ويصبح الدم أصفى وأغنى بكريات الدم الأكثر شباباً.
هذا التجدد يتبدى أول ما يتبدى على السطح، فتصير البشرة أنقى وتختفى البقع والتجاعيد. أما العيون فإنها تغدو أكثر صفاء وبريقا.
ولقد أشارت تجارب اثنين من علماء الفيزيولجيا بجامعة شيكاغو، وهما الدكتوران كارلسون وكوند، إلى ما يدعم ذلك. فقد أكدا أن الصوم لمدة أسبوعين يكفي لتجديد أنسجة إنسان في عمر الأربعين بحيث تبدو مماثلة لأنسجة شاب في السابعة عشرة من عمره. لكن هذا الأثر غير دائم، ومن ثم يتطلب الأمر معاودة الصوم على فترات للحصول على الشباب من جديد.
كما أظهرت تجارب جامعة شيكاغو أن صوم 30 - 40 يوماً يزيد الاستقلاب بمعدل 5 - 6 %، وحيث إن نقص الاستقلاب يعد مظهراً من مظاهر زحف الشيخوخة، فإن زيادته بالصوم تعني استعادة لبعض من الشباب، أو بلغة أخرى تأجيلاً للشيخوخة.
وعملية تأجيل الشيخوخة هذه عبر الصوم، أكدتها باحثة أخرى هي سوزان سبلجر التي سجلت أن الفئران التي تتغذى على وجبات قليلة البروتين ثم تصوم في اليوم التالي.. عاشت أطول 50 % من أقرانها ذوي التغذية العادية.
طبعا منقول | |
|